أمي خياطة 

أمي خياطة 

  • السبت 26 يوليو 2025
  • 05:18 AM

الملتقى /   منى اللهو 

 

منذ ان فتحت عيني في بيتنا الصغير وانا أراقب حركه يد امي وهي تخيط الملابس أراقب غرزها الابره في الأزرار والأقمشة ، كنت  طفلة صغيره وكانت  تدهشني قدرتها على التحكم في الابرة ومهارتها في عدم جرح نفسها 
أراها يوميا تنكفئ على الخياطة اليدوية لم أفكر بمدى التعب والإرهاق كنت فقط اسرح معها وهي تخيط وانبهر في كل مره كانت تنتهي من خياطة فستان او قميص كيف استطاعت انجاز هذه التحفة، كنت ارى كل شي تعمله  بيديها بمثابة انجاز.

 نعم فأمي كانت بطلة قصه حياتي ،، كانت دائما هي الشخص القوي تقوم  بكل اعمال المنزل وتربينا أنا وإخوتي وتمارس مهنه الخياطة والحقيقه أننا انا وأخوتي لم نسألها يوما لماذا تفعلين ذلك ؟ لماذا تخيطين ؟ كأننا  تعودنا على ذلك المشهد اليومي في منزلنا .

لما بلغت  السابعة من عمري كانت تجلسني بجانبها وتعلمني كيف امسك الإبرة وابدا في التعلم وتشير إلى المقص والقماش وتقول تعلمي الخياطة انها صنعه مفيده  ،، ابتسم واقول في نفسي لا بل أريد ان اكبر وأصبح معلمة ،، لم افهم لماذا تريدني ان أتعلم الخياطة هل سيكون قدري مثلها ؟ 

جمعت امي من المصروف بعض الدنانير واستطاعت ان تشتري اول مكينة  خياطة وكانت ماركه مشهوره في ذاك الزمن كانت سعادتها لاتوصف حين حصلت عليها 
استغربت لماذا كل هذا الفرح والسعاده ،، كانوا أقاربنا في ذاك الوقت يقتنون الملابس او الذهب ويفرحون فرحا كبيرا بينما امي تفرح لشراء مكينة خياطة 

اقتربت وسالتها هل تعرفين كيف تعمل ؟ 
ابتسمت وقالت ،،، هذي صنعتي ،، قبل ان أتزوج كنت اعمل بالخياطة واعرف كيف أخيط على المكينة 
كانت هذه اول مره امي تحدثني عن حياتها قبل الزواج 
ابتسمت وشعرت انها إلى جانب انها قوية ولها ماض جميل وشخص يعمل من الصغر وربما كانت في مثل عمري عندما بدأت تخيط تخيلت ان امي تريدني نسخه مصغره منها ،، 
صوت المكينة في البيت صار شي مألوف نسمعه يوميا في أوقات مابعد العصر ويوميا ارى انجاز امي الجديد 

في احد الايام تذمرت من صوت المكينة ورفضت ان أساعدها في تركيب الازرار فنهرتني وقالت ستكبرين وتشغلك الحياه ومشاكلها وربما يكون غيبني الموت وستذكرين نصيحتي 
اشغلي نفسك بالعمل اليدوي لاتجلسي خاليه من غير عمل 
الخياطة صنعه ورزق حلال 
تركتها وذهبت لاشغل نفسي بكتابة الواجبات 
او تنظيف المطبخ كنا قد تعلمنا مهارات العمل المنزلي ايضا بفضلها 
مرت السنوات سريعا ،،، سريعا جدا 
توفيت امي رحمها الله 
كنت دائما عند ذكر امي في المجالس العائلية اقول بحنين وحب ( امي كانت خياطة) 
افتخر بذلك واشعر بالسعاده عندما  اقولها 

وكبرنا وعملنا في دوائر حكوميه ،، كبر الاولاد وتزوجوا ،، وعشنا الحياه الوظيفية بكل أعباءها وجاء وقت التقاعد من العمل 
ارتحنا في منازلنا وعشنا الحريه والسهر والسفر والرحلات والمواجيب الاجتماعية ،،، لكن احساس فراغ يتملكني اشتقت للجلوس لو دقائق امام امي وهي تخيط 
اشتقت لهذه اللحظات وانا أراقب يديها وهي تعمل 
تمنيت لو فعلا تعلمت الصنعه كما تقول ربما كان في داخلي ( امي الخياطة) رافقتني بقلبي كل هذه السنوات 
وعندها خف ضجيج العمل والحياه رجعت تذكرني 
بالصنعه ورزقها الحلال ،،، 
امي كانت تعرف اكثر ،، كانت واثقة أنني في يوم ما سأعود لمشهد المكينه والخيط والابره واندم لأنني لم آخذ  بنصيحتها ،، ليس ذلك للحاجه للمال لو صعوبه العيش .. لا فنحن بفضل الله بخير ونعمه من الله لكنها كانت تعرف ان الروح تحتاج لملئ الفراغ وتعرف انه سيأتي وقت وتفرغ الروح من ضجيج الحياه اليوميه 
الخياطة صنعه فيها تأمل وتفكير 
وملأ الوقت والروح ،، 
امي كانت بسيطة التعليم لم تذهب لمدرسه ولاتحمل شهادة لكنها كانت مدرسه  حياه كامله ،، 
الامهات يعرفون اكثر ويشعرون بنا بفطرتهم وقلوبهم الصادقة 
الامهات هم البوصله التي تدلنا على الاتجاه ،، 
أريد ان اتعلم الخياطه من جديد فربما احقق شي من أمنيات امي البعيدة 
واعود لنفسي .

اشترك الآن في النشرة الإخبارية

نشرة اخبارية ترسل مباشرة لبريدك الإلكتروني يومياً

العوده للأعلي